ليلة الزفاف بين السُّنَّة والبدعة

بسم الله , والحمد لله , والصلاة والسلامُ على نبينا محمد خير خلقِ الله , وعلى آله وصحبه ومَن والاه , وبعد :
فقد كثُرَت في هذه الأيامُ -وإلى الله المُشتكى- البِدَعُ بمُختَلفِ ألوانها وأشكالها , بل إن كثيراً من المُسلمين لَيَعتَقِدُ في أعمالٍ وأقوالٍ كثيرة أنها من السُّنَنِ الثابتة الصحيحة , وذلك لجهل البعض بالسُّنَّة , وسببُ هذا عدمُ القراءة والاطلاع , ومن ذلك ركعتي الزواج التي يفعلُها كثير من المسلمين مُعتقدين سُنِّيَّتَها , وهي أصلاً ليست بسُنَّة ثابتة عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلَّم , وبما أنني مُشرفٌ على أحد المواقع , فإن إحدى الأخوات الفاضلات أضافت موضوعاً حول ركعتي الزواج , واستشهدت فيه بأحاديث ضعيفة , ولأمانة العلمِ وبما أنني مُشرف على ذلك الموقع بيَّنتُ للأخت الكريمة ضعفَ ذلك الحديث الذي يَحُثُّ على ركعتي الزواج , وقلتُ لها بالأدب الذي أُمِرنا به : أخت فُلانة جزاكِ الله خيراً . . .

ولديَّ سؤال , وهو سؤالُ مُتَعَلِّم , أين الحديثُ الذي حضَّ فيه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلَّم الزوجين على صلاة ركعتين ليلة الزفاف ؟ فإني لم أظفر به بارك الله فيكِ ! فلم تُجِبني على سؤالي , فقلتُ لها : جزاكِ اللهُ خيراً أخت فلانة على ما قدَّمتِ , وأنا أعلمُ بأنَّكِ ما أردتِّ إلا الخيرَ , من نقلِ هذا الموضوع , لكنَّ ركعتي الزفاف ليستا بسُنَّة , ولم يَحُثَّ النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلَّم- عليهما بارك اللهُ فيكِ , لا في حديث صحيح ولا ضعيف ! لأنَّكِ قُلتِ : {وهذا علاج رباني أوحى الله به على رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم وبذلك نصح الرسول صلى الله عليه وسلم كل زوجين بتأدية الركعتين لِما لهما من فضل كبير}

وأنا أرى كما يرى بعضُ أهلِ العلمِ عدمَ الصَّلاةِ في هذا الموطن , بل إنهُ يكفي المرءَ أن يدعوَ بالدُّعاء المأثور عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلَّم : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ . رواهُ ابنُ ماجه , فقامَ أحدُ الإخوة الأفاضل بالرد عليَّ , وقال : بارك الله بكم

اخ عبد الغني لا ادري ما القول -ولعلَّهُ أخطأ , فالصوابُ أن يقولَ : لا أدري ما أقول-

هل قدمت ما في وسعك قبل ان تحكم في المسألة . اه من كلامه , وذَكَرَ حُجَّتَهُ , وهيَ عبارةٌ على حديث لا يَصِحُّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وأثرٌ عن عبد الله بن مسعودٍ رضي اللهُ عنه , وعَبَّرَ عنها بأنها أحاديث وقد صحَّحها علماء الحديث !!! وبالطبع ليس الأمرُ كما يقول .

ولِتَعُمَّ الفائدة فإني سأنقُلُ إليكم نصَّ الرد بالكامل وأرجو منكم نشرَهُ قدرَ استطاعتكُم في المُنتديات ولكُمُ الأجرُ بإذن الله فالدالُ على الخير كفاعله : ليست أحاديث , بل هو حديث واحد لا ثاني له , وأما الخبرُ الآخرُ الذي ذكرتموه حضرتُكم فهو أثر عن ابن مسعود رضي الله عنه وليس بحديث بارك اللهُ فيكم .

وأمَّا الحديثُ الأول عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخلت المرأة على زوجها يقوم الرجل فتقوم من خلفه فيصليان ركعتين ويقول اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي فيّ اللهم ارزقهم مني وارزقني منهم اللهم اجمع بيننا ما جمعت في خير وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير . فإنك إن تأمَّلتَ هذا الأثرَ لا تجدُهُ بتلك القوة التي يُمكن أن تثبتَ مثلُ هذه السنة , قال الهيثميُّ في مجمع الزاوئد ومنبع الفوائد عن الحديث : رواه الطبراني في الأوسط وفيه إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة المروزي ولم أجد من ذكره وعطاء بن السائب وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات .

فأمْعِنِ النظر أخي الحبيب في قول الهيثمي "وفيه إسماعيلُ ابنُ إبراهيمَ بنِ المُغيرةَ المروزي ولم أجد مَنْ ذَكَرَهُ " فهذا يَدَلُّ على أنَّ الحديثَ فيه مجهول , وإذا كان في الإسناد رجلاً مجهولاً فلا يُستشهَدُ بالحديث بارك اللهُ فيك , ويكونُ حينئذٍ حديثاً غيرَ صحيح , ثم انظر إلى قوله "وعطاءُ بنُ السائب وقد اختلط" هذه علة أخرى قادحةٌ في الحديث , وأمرٌ آخرُ وهو : أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عدة نساء ولم تنقل واحدة منهن هذه الصلاة ، ومن أعظم الحِكم في تزوجه صلى الله عليه وسلم بهذا العدد منهن نقلُ السنة على حد قول الله تعالى { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } .
ولم يُنقل عن صحابي أنه فعلها بإسنادٍ صحيح عنه , ولم يَرو هذه الصلاة أحد من أئمة الحديث في كتبهم , ولم يُبَوِّبُوا عليها شيئاً .
ومثلُ هذه العبادة أصبح الالتزام بها كثيراً وقوياً حتى إنها غطَّت على سنن في مثل هذا الأمر ثابتة , وهي أن يقولَ الرجلُ ليلةَ زفافه : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا وَخَيْرِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ , رواهُ ابنُ ماجه , ولعل من ترك هذه الصلاة أن يُنكر عليه !!!
وأمَّا الأثرُ الآخرُ المَرويُّ عن ابن مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ والذي جعلتَهُ حديثاً , فإني تأملتُهُ فلمْ أجدِ ابنَ مسعود نَسَبَ الصلاةَ للنبي صلى الله عليه وسلم , ووجدتُّ أنَّ أقربَ ما يمكن تخريجُهُ هو : أنها من باب التوسل بالعمل الصالح الثابت في السنة , وخاصة أن الرجل قد خشي كراهةَ وبُغضَ المرأة له , ولم يجعلها ابن مسعود رضي الله عنه سنة عامة لكل أحد .


والخُلاصَةُ : أننا لا نُنكِرُ على مَنْ أرادَ أن يُصليَ ركعتين ليلةَ زفافه , ولا بأس بفعلها اقتداء بالصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه ، فإنَّ فِعلَهُ ينفي عن هذه الصلاة وصفَ البدعيَّة ، ولكنه لا يُثبتُ لها وصف السنِّيَّة , فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كما أسلفتُ تزوج مراراً كثيرة ، وتزوج كثير من الصحابة بعلمه ولم يثبت عنه أمرٌ بهذه الصلاة أو إرشاد إليها , لكنَّنا نُنكرُ على مَنْ جعل ذلك سُنَّةً ثابتة عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم , فإنها لم تثبُت عنه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث صحيح ولا ضعيف , وحتى لو ثبت ذلك في حديث ضعيف فإنَّ مذهبَنا ألا نعملَ به , أي : الضعيف , لأنهُ يغلبُ على الظنِّ بأنه ليس من مقول النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم , وأقولُ كيف يتجرىءُ البعضُ ويقولُ : قال رسول الله , ويُحَدِّثُ بحديث ضعيف يغلبُ على الظن أنهُ ليس من مقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم !؟ والله الذي لا إله إلا هو أنا لا أجرؤ على ذلك البتة , لماذا ؟ للحديث الثابت عنه صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح مُسلم من حديث المُغيرة بن شُعبة قال : قال رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسلم قال : مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ . ومعنى "يُرى" أي : يُظَنُّ بأنهُ كذِب , والحديثُ الضعيفُ كما أسلفتُ لكم أخي الحبيب لا يُظنُّ بل يغلبُ على الظن بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلَّم لم يَقُله .

هذا ما يَسَّرَهُ اللهُ لي , فما كان من خير وصواب فمن الله وحدهُ , وما كان من شر وخطأ فمني ومن الشيطان , سُبحانك اللهُم وبحمدك أشهدُ ألا إله إلا أنت , أستغفرُك وأتوبُ إليك , اللهُم أرنا الحق حقاً وارزُقُنا اتباعَهُ وحَبِّبنا فيه , وأرنا الباطلَ باطلاً وارزُقنا اجتنابَهُ وكرِّهنا فيه , واجعلنا ممن يستمعون القولَ فيتبعون أحسنَهُ , أولئك الذين هداهُمُ الله , وأولئك هم أولوا الألباب . والحمد لله أولا وآخراً

مع تمنياتي لكم زواج سعيد
اخوكم اميروووو19